السيدة زينت، خطبة زينب في مجلس يزيد
نص خطبة السيدة زينب بنت على بن ابي طالب رضي الله عنهما.
نقل صاحب وفيات الأئمة ۴۵۶ ، في كتابه: خطبة السيدة زينب ( عليها السلام )
في مجلس يزيد في الشام، وهي :
قال الراوي : فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقالت
:
( الحمد لله رب العالمين ، وصلَّى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله
سبحانه ، كذلك يقول : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ
اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) الروم : ۱۰ .
أظننت يا يزيد ، حيث أخذتَ علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء ،
فأصبحنا نُسَاق كما تُسَاق الأسراء ، أن بنا هواناً على الله ، وبك عليه كرامة
.
وأن ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمختَ بأنفِك ، ونظرت في عطفك ،
جذلان مسروراً ، حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور مُتَّسقة .
وحين صفا لك مُلكُنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً ،
أنسيت قول الله تعالى : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ
إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) آل عمران : ۱۷۸ .
أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإِمائك ،
وسوقك بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سبايا ، قد هتكت ستورهن
، وأبديت وجوههن .
تحدو بهن الأعداء ، من بلد إلى بلد ،
ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ،
ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ،
والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ؟!
وكيف ترتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ،
ونبت لحمه من دماء الشهداء ؟! وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت ،
من نظر إلينا بالشنف والشنآن ، والاحن والأضغان ؟ ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم
:
لأهلّوا واستهلّوا فرحا ثم قالوا يا يَزيد لا تشَلْ
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله ( عليه السلام ) ،
سيد شباب أهل الجنة ، تنكثها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة
؟!، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية محمد ( صلى الله عليه وآله ) ،
ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف بأشياخك .
زعمت أنك تناديهم ، فلتردن وشيكاً موردهم ،
ولتودن أنك شللت وبكمت ، ولم تكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت .
اللَّهم خذ بحقِّنا ، وانتقم من ظالمنا ،
واحللْ غضبك ممَّن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا ، فوَ الله ما فريت إلا جلدك
،
ولا حززت إلا لحمك ، ولتردن على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
، مما تحمَّلت من سفك دماء ذريته ،
وانتهكت من حرمته ، في عترته ولحمته ،
حيث يجمع الله شملهم ، ويلم شعثهم ، ويأخذ بحقّهم : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) آل عمران : ۱۶۹
.
وحسبك الله حاكما ، وبمحمد ( صلى الله عليه وآله ) خصيماً ،
وبجبرائيل ظهيراً ، وسيعلم من سوَّل لك ، ومكَّنك من رقاب المسلمين ، وبئس للظالمين
بدلاً ، وأيكم شر مكاناً وأضعف جُنداً .
ولئن جرت عليَّ الدواهي مخاطبتك ، إني لأستصغر قدرك ،
وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرى ، ألا فالعجب
كل العجب ، لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء .
فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتجلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي
، تنتابها العواسل ،
وتعفرها أمهات الفراعل .
ولئن اتخذتنا مغنما ، لتسدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك
: ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) فصلت : ۴۶ .
فإلى الله المشتكى ، وعليه المعوَّل ،
فكدْ كيدك ، وإسعَ سعيك ، وناصِب جهدك ،
فوَ الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ،
ولا تدحض عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند ، وأيامك إلا عدد ، وجمعك
إلا بدد ، يوم ينادي المنادي : ألا لعنة الله على الظالمين .
فالحمد لله رب العالمين ، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ،
ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ،
إنه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ) .